حبيبى يا رسول الله
اهداء الى اغلى الخلق واحسنهم اليك يا حبيبى با بى انت وامى يا رسول الله يا حبيبى
الله ما بحق هذا العمل احشرنى معه يا رب اللهم لا الله الا انت سبحا نك انى كنت من الظالمين
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله
الاسم: محمد صلى الله عليه وسلم
اسم الأب: عبد الله
اسم الأم: آمنة
تاريخ الولادة: عام الفيل
محل الولادة: مكة
تاريخ الوفاة: السنة الثالثة عشرة للهجرة
محل الوفاة: المدينة
محل الدفن: المدينة
عام الفيل
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل الهجرة باثنتين وخمسين سنةً، توجّه أبرهة الأشرم من اليمن
بجيش كبير، عماده محاربون يركبون الفيلة، توجّه نحو مكّة لتدمير بيت
الله. وقام في طريقه إلى مكة بالقضاء على كلّ من حاول الوقوف في
وجهه.
وصل جيش أبرهة إلى ضواحي مكة، وكان الوقت ليلاً، فأقام معسكره
هناك في انتظار الصّباح ليشرع في هجومه، بينما سارع أهل مكّة إلى
الجبال هرباً منه، وأسلموا الكعبة إلى الله، فهو سبحانه الكفيل بالدفاع
عنها، فهي أول بيتٍ أقيم في الأرض لعبادته تعالى.
وفي الصباح الباكر. شرع المقاتلون بهجومهم على الكعبة، يتقدّمهم
ركّاب الفيلة، وفجأةً ظهرت في السماء أسراب هائلة من الطيور، تحمل
في مناقيرها حجارةً صغيرةً، قامت بإلقائها فوق رؤوس أبرهة
ورجاله، ارتفع صراخ العسكر وتعالى أنينهم وتوجّعهم، وبدأوا
يتساقطون، الراكب منهم والراجل، الحصان وفارسه، الفيل وراكب
الفيل، تساقطوا فوق بعضهم أكواماً من الجثث، وهكذا قضى الإله
القدير على أعدائه المارقين. وكان هذا الحدث العجيب وراء تسمية
تلك السنة بـ «عام الفيل»، العام الذي تمّ فيه القضاء - وبإرادة العلي
القدير - على فيلة الحرب وركابها، بحجارةٍ صغيرةٍ اخترقت أجسادهم
وحفظ الله بيته من عدوان المعتدين.
محمد الأمين
في ذلك العام «عام الفيل» ولد الرسول الأكرم،محمد صلى الله عليه وسلم لأمه آمنة بنت وهب.
وكانت آمنة سليلة بيت الكرم والشرف، وقد اشتهرت بالسمعة الطيّبة والطهارة
والعفاف، أمّا أبوه فكان يدعى عبد الله، الابن المحبوب من أبيه عبد المطلب (جد الرسول)
وسيد قومه، وموضع اعتزازهم واحترامهم. وقد فارق عبد الله الحياة قبل ولادة الرسول الأكرم
أمّا آمنة فقد انتقلت إلى رحمة ربّها بعد ولادته بستّ سنوات، فكفله جدّه عبد المطلب، وعهد به إلى امرأةٍ
عفيفةٍ شريفةٍ، اسمها حليمة السعدية، لتقوم بإرضاعه ورعايته، وقد توفّي عبد المطلب بعد عامين، فأخذه عمه
أبوطالبٍ إلى بيته، وتكفّل برعايته وتربيته.
كان أبوطالب يتعاطى التجارة، وكان من عادة تجار مكة أن يخرجوا بتجارتهم إلى الشام مرّةً في السنة، وقد رافق محمد عمه أبا طالبٍ في إحدى رحلاته إلى الشام.
عرف الجميع عن محمد صلى الله عليه وسلم أمانته واستقامته، حتى اشتهر بينهم بـ «محمد الأمين». ولمّا علمت خديجة
باستقامته وأمانته، وكانت من أشرف نساء مكّة وأكثرهنّ ثراءً، سلّمته أعمالها التجارية، فاكتسب خبرةً
واسعةً بطرق وأصول التجارة، ثم ما لبثت أن أحبّت أخلاقه وعزّة نفسه، فتزوّجت منه، ووضعت بين يديه وفي
تصرّفه، كامل ثروتها وأعمالها . .
فقام مستعيناً بقوّة شبابه وإرادته، وما وفّرته له زوجته من إمكانيّاتٍ، قام بمساعدة المظلومين، ومد يد
العون إلى الفقراء المستضعفين.
رزق من خديجة بستة أبناء: ولدين أسماهما قاسماً وعبد الله، وقد توفّيا صغيرين قبل بعثته
وأربع بناتٍ هنّ رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة . وكان كثير الصبر عظيم الجلد، فلم يبدر منه أيّ
إحساس بالضعف لموت ولديه، بل تقبّل قضاء الله وحكمه بالرّضى والإقرار.
كان يتمتّع باحترامٍ شديدٍ بين الناس، وكانوا يرجعون إليه ليسادعهم في حل مشاكلهم، وكانوا يثقون به
ويعتمدون عليه، ويودعون لديه أماناتهم، ولم تعرف عنه كذبه واحدة، لأنّه كان رجلاً صادقاً مؤمناً.
{وإنّك لعلى خلقٍ عظيمٍ} (القلم - 4).
كان الناس في تلك الأيام يعبدون الأصنام، بينما كان هو يعبد الله الواحد الأحد، ملّة جده إبراهيم الخليل ، وكان
يقضي معظم وقته يتعبّد في غار حراءٍ، وهو غار يقع على قمّة جبل في شمال مكّة. وكان يذهب خفيةً إلى هناك
فيقضي شهر رمضان بكامله، يصلي ويعبد ربّه ويناحيه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]البعثة
في السابع والعشرين من شهر رجب، وكان كعهده دائماً مشغولاً بعبادته في الغار
وإذا بجبرائيل - ملاك الرحمان - يظهر أمامه، وما إن تطلع إليه حتى بادره قائلاً: {اقرأ}. لكنّ محمداً
والذي لم يكن قد تلقّى أيّ تعليمٍ، وهو لا يحسن القراءة أو الكتابة، أجاب متعجّباً: وماذا أقرأ؟ فأنا لا أحسن
القراءة قال جبرائيل مكرّراً أمره: «اقرأ» لكنّه وللمرة الثانية سمع الرد نفسه، وحين كرر قوله للمرة الثالثة
أحسّ محمد صلى الله عليه وسلم أنّ باستطاعته أن يقرأ.{اقرأ باسم ربّك الذي خلق}.
وهكذا اختار الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وسلم للنبوّة، وهو في سن الأربعين،
وكلّفه بأن يقوم بهداية الناس
وإخراجهم من الظلمات والشرك والجهل الذي هم فيه، إلى رحاب العلم ونور الإيمان
وأن يرشدهم إلى طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
{وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين} (الأنبياء - 107).
نزل الرسول صلى الله عليه وسلم من الجبل مضطرباً وتوجّه إلى بيته، وهناك كانت أوّل امرأة آمنت به، وهي زوجته خديجة
وأوّل من مد يده إليه بالبيعة، ابن عمه الفتى علي بن أبي طالب، الذي تربّى في بيت الرسول منذ نعومة أظفاره.
وأنذر عشيرتك الأقربين
كان النبي حين يقوم للصلاة، يقف عليّ عن يمينه وتقف خديجة من ورائه، واستمر الأمر كذلك، حتى
أمر أبوطالبٍ ولده جعفر باتّباع الرسول
. ثم نزل إليه أمر الله تعالى، بأن يقوم بدعوة أهله وعشيرته الأقربين إلى الإسلام
{وأنذر عشيرتك الأقربين} (الشعراء - 214).
فدعا إلى بيته ما يزيد على أربعين فرداً من بني هاشمٍ، وبعد أن تناولوا الطعام، وقف بينهم
وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابّاً في العرب، جاء قومه بأفضل ممّا
جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر
على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟».
ومن بين الحضور جميعهم، وقف عليّ وهو ما يزال ابن عشر سنواتٍ، وأعلن استعداده لمؤازرة الرسول
. كرّر الرسول صلى الله عليه وسلم قوله ثلاث مراتٍ، وكان الوحيد الذي استجاب له في المرّات الثلاث هو عليّ .
بقي الرسول يدعو إلى الإسلام سرّاً، لمدّة
ثلاث سنوات، واستجاب لدعوة الإيمان عدد قليل من الناس.
في مواجهة الشرك
في تلك الأيّام، كان الناس يفدون إلى مكّة من بلادٍ وأماكن بعيدةٍ للحج، وكانوا يحضرون معهم بضائع يحتاجها
أهل مكة، فيتّجرون بها معهم، وكان هذا العمل مصدر ربح وفير يجنيه أثرياء مكة ، والربح هو همهم ومحور
تفكيرهم.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى ترك العادات السيئة، كالزنا وشرب الخمر ووأد البنات وقتلهم
وأكل مال اليتيم وأكل الميتة وشهادة الزور، وغير ذلك من الفواحش. وكان يدعوهم بالمقابل إلى الأمر بالمعروف
والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمساكين، وصلة الرحم وحسن الجوار.
وكان يجلس إلى أولئك الزوار القادمين من بعيد، ويتحدّث إليهم، وينصحهم بترك عبادة
الأصنام، التي صنعها الكفّار بأيديهم من الخشب والحجارة، ونصبوها في المسجد الحرام فوق الكعبة، ينصحهم
بترك عبادتها لأنّها لا تنفعهم ولا تضرّهم. وأن يتّجهوا بالعبادة إلى الإله الواحد، خالق كلّ شيءٍ.
كان أثرياء مكّة يتساءلون: ماذا لو استمع الناس إلى محمد صلى الله عليه وسلم وتركوا عبادة الأصنام، إذن لا نقطع قدومهم إلى
مكة، وانقطع معهم مورد رزقنا ومصدر أرباحنا، لذلك شرعوا في إعلان الخصام الشديد لمحمد ولتابعيه
من المسلمين الأوائل، ورغم ذلك فقد كان عدد المؤمنين يزداد يوماً عن يوم، كما كانت معاملة قريش له
ولأصحابه، تزداد قسوةً ووحشيةً. وكان مشركو قريش ينزلون بالمسلمين الأذى والضرر، ويوجّهون لهم السباب
والشتائم، كي يمنعوا انتشار الإسلام بين الناس، غير أنّهم لم يجرؤوا على توجيه الأذى لجميع المسلمين، لأنهم
ينتسبون الى قبائل عديدة، تحسب قريش حسابها، وأمام عجزهم ذاك، فقد توجّه نفر من أعيانهم إلى بيت أبي
طالب، عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم وحاميه، وسيد بني هاشم، وشكوا إليه أمرهم مع محمد قائلين:
يا أبا طالب إنّ ابن أخيك محمداً قد عاب آلهتنا، وسفه أحلامنا وسخر من عقائدنا، واتّهم آباءنا بالضلال، ونحن
على استعداد لكي نقدم إليه كل ما يطلب، لو ترك هذا الأمر، فإمّا أن تمنعه أنت، وإمّا أن تسلمه إلينا فنرى فيه
رأى كبار قريش أن يلجأوا إلى الخديعة والمكر، بعد أن رأوا فشل تخطيطهم، فقالوا له:
ياأبا طالب، إنّ محمداً قد شتت جموعنا وسخر منا ومن أصنامنا التي نحن لها عابدون، حتى أغرى بنا غلماننا
وشجّعهم على العصيان والتمرد، ونحن لا نرى تفسيراً لسلوكه ولا ندري ما هو غرضه. فإن كان فقيراً أغنيناه
وإن كان يريد الملك والجاه، أمرناه علينا وله منا الطاعة، وكل ما نطلبه منه، هو أن يتخلّى عن هذه الدعوة
ويتركنا لحالنا وأمورنا.
لكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم
بالله الواحد العظيم، ويتركوا معبوداتهم وأصنامهم الحقيرة تلك، فإنّها لا تغني عنهم شيئاً. سمع رجال قريش جواب
الرسول صلى الله عليه وسلم
عقب هذه الحادثة، ضاعفت قريش من إيذائها للرسول صلى الله عليه وسلم وتعذيبها لأصحابه، حتى أن بعض أقارب النبي صلى الله عليه وسلم
فكانوا يرمونه بالأقذار، ويسخرون منه ويوجّهون إليه السباب على مرأى من الناس، حتى أنّهم اتّهموه بالخبل
والجنون. لكنّهم كانوا عبثاً يحاولون، فلم يفوزوا من أفعالهم هذه بطائل، وكم كانوا يتمنون لو يقتلوه ويتخلّصوا
منه، لو لا خوفهم من عزيمة أبي طالب، وسيف حمزة، وانتقام بني هاشم. وكم من مرّة رسموا خططاً لقتله
لكنهم كلما حاولوا تنفيذ خططهم الشريرة، كان الله سبحانه لهم بالمرصاد، فأبطل أعمالهم وسفّه أحلامهم.
أول شهادة في الإسلام
كان نصيب بعض المسلمين من الأذى قليلاً، لأنّهم ينتمون إلى قبائل كبيرةٍ ومشهورة، وكان المشركون يخافون
من قبائلهم تلك، لكنّ أكثر أتباع الدين الإسلامي، كانوا من الفقراء المستضعفين، أو من العبيد الأرقّاء، فكان
الأذى الذي ينزل بهم أقوى وأشدّ، كبلال الحبشيّ، وكان عبداً أسود البشرة، فقد طرحه سيّده فوق الأحجار الملتهبة
تحت شمس مكة
الحارقة، كما طرحت فوق صدره صخور كبيرة الحجم، وترك ساعات يعاني من العذاب والحرّ، والجوع والعطش،
كانوا يطلبون منه الابتعاد عن محمد ودعوته. لكن جواب بلال لهم كان قوله . . أحد، أحد، الله واحد. فما كان من
المشركين أخيراً إلاّ أن ربطوه بحبل. وصاروا يجرونه في أزقّة مكة، فوق الأحجار والرّمال، لكنّ بلالاً كان
مسلماً حقّاً، ولم تكن شدّة العذاب إلا لتزيده قوّةً وإيماناً.
كما كان ياسر وسميّة وابنهما عمّار، من المسلمين المستضعفين، المحرومين ممن يحميهم ويدفع الأذى عنهم.
لذلك فقد رأوا من العذاب أشدّه، أمّا ياسر وسميّة فقد قضيا شهيدين تحت التعذيب. وأمّا عمار، فقد قاومهم حتى
اقترب من الموت، بعد أن رأى مصرع أبويه أمام عينيه لكنّه لم يكن أبداً ليرتدّ عن شريعة الإسلام، وإن تفوّه
بكلمة الكفر تقيّةً تحت تأثير العذاب. {إلاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان} (النحل - 106).
[ 22 ]
كان الرسول
لمصابهم، لكنّه لم يكن يملك من علاجٍ إلاّ الصبر الجميل
المقاطعة
أحس مشركو قريش أن خططهم لم تصل إلى نتيجةٍ، ورأوا الخطر يزداد عليهم بازدياد انتشار الإسلام، فلجأوا إلى
تدبير خسيس، بعيد عن الإنسانية، وقرّروا مقاطعة المسلمين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم، وأصدروا
وثيقةً تتضمّن أربع نقاطٍ للمقاطعة:
1- منع الشّراء والمبيع من المسلمين.
2 - مناصرة خصوم محمدٍ، والالتزام بها، واجب في جميع النزاعات.
3 - لا حقّ لأحد في الزواج من المسلمين أو تزويجهم.
4 - يمنع أيّ شكل من أشكال التعامل أو العلاقة مع المسلمين.
وعلّقوا صحيفة المقاطعة هذه على الكعبة.
لما رأى أبوطالبٍ ما وصلت إليه الحال، وكيف غدت معيشة المسلمين مستحيلةً في مكة، تقدم من ابن أخيه،
وعرض عليه أن يغادر بنو هاشم إلى بعض ضواحي مكة، ليقيموا في وادٍ يعرف بـ «شعب أبي طالب» وحين
لمس قبولاً من الرسول صلى الله عليه وسلم
الشعب، لذا فكلّ منكم مكلف بمرافقته، وأن يكون له مساعداً وظهيراً حتى النفس الأخير.
امتدت مقاطعة قريش لبني هاشم ثلاث سنوات، كانت من أشدّ الفترات قسوةً على المسلمين
وخاصةً من حيث قلّة المواد الغذائية التي وصلت إلى حد كان فيه الفرد منهم ينال حبّة تمر واحدةً في اليوم،
بل كانت حبّة التّمر هذه تقسم أحياناً بين اثنين منهم، وكان علي
الحرم، حين كان الأمن يتوفّر بشكل أفضل، كان بعض فتيان بني هاشم يقصدون مكة لتأمين بعض ما يلزمهم من
حاجياتٍ، فكانت قريش تحرّض الباعة على رفع أسعارهم، وكان أبولهب يصيح في أسواق مكّة قائلاً: أيّها الناس
ارفعوا من أسعاركم حتى لا يستطيع المسلمون شراء ما يلزمهم ما أشبه اليوم بالبارحة، فقوى الاستكبار اليوم
تعمل جاهدةً على إدخال المسلمين في مسالك مماثلة، ولا يزال هناك أناس مثل أبي لهب، يغتنمون ظروف
الحصار الاقتصادي، فيرفعون أسعار بضائعهم يوماً عن يوم، إنّهم من أمثال أبي لهب، ومن السائرين على دربه
وهم ليسوا جديرين بحالٍ من الأحوال أن يدعو بالمؤمنين.
بعد مقاطعةٍ دامت ثلاث سنواتٍ دون طائلٍ، وحين ثبت لقريش أنّ الحصار الاقتصادي بدوره لم يأت بنتيجةٍ، ولم يفت
من عزيمة المسلمين، بل زادهم إيماناً، ندم بعض القرشييّن على ما أقدم عليه قومهم، وبدأوا شيئاً فشيئاً
يخفّفون الحصار، حتى انتهى الأمر بأن أصبح المسلمون أحراراً في المجيء إلى مكة. واستطاعوا أن يعودوا
ثانية إلى بيوتهم، وكان ذلك بمعجزة من الله تعالى، إذ بعث الأرض
ة (وهي حشرة صغيرة تقرض الأخشاب وغيرها) إلى صحيفة المقاطعة، فأكلت كلّ ماكتب فيها من كلمات الظلم
والمقاطعة، وأبقت على غيرها من الكلمات، فلمّا رأى الناس ذلك، عرفوا أنّ الله سبحانه لا يقبل بهذه المقاطعة
فمزّقوا الصحيفة وأسلم عدد كبير منهم.
الهجرة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بعد زمن قصير فارق أبوطالب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم
فهاجر فريق من المسلمين إلى الحبشة بإمرة ابن عمّ الرسول
و تآمرت قريش سرّاً على قتل النبي
وفي الليلة المحدّدة، أخبر الله تعالى نبيه بمكرهم، فأمر على بالمبيت على فراشه بعد أن
أعلمه بمكر قريش
سرّ على لأنّه سيفدي الرسول بنفسه، ونام في فراشه، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم
ولما اقتحموا الدار مشرعين سيوفهم، فوجئوا بأنّ شاغل الفراش هو عليّ، فأسقط في أيديهم، وملأهم الغيظ دون أن
يستطيعوا مواجهة سيف على
فقد أنجاه الله من بين أيديهم وأحبط مكرهم.
{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال - 30).
:
:
:
يتبع
هجره الرسول صلى الله عليه وسلم
كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنوّرة، ذات أثر كبيرٍ وأهميّة فائقة، حتى اعتبرت سنة الهجرة
بداية للتاريخ الإسلامي، وكان سكان المدينة ينتظرون قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم بفارغ الصبر
وقد خرجوا لاستقباله بالأهازيج والتحيات والصلوات، وبين جماهير قد ملأها الحماس، دخل عليه
الصلاة والسلام المدينة. وكان أوّل عمل قام به هو أنه أمر ببناء مسجد، ليكون قاعدةً تنطلق منه
دعوة الإسلام، وليكون منطلقاً لوحدة المسلمين، وبالتعاون والتّكاتف بين الناس تمّت إقامة المسجد
بمدةٍ قصيرة، وبدأ المسلمون يجتمعون فيه كلّ يومٍ، ليستمعوا إلى تعاليم نبيّهم وإرشاداته.
وكان العمل الثاني للرسول أنّه آخى بين المسلمين، وغدا الناس الذين كانوا بالأمس القريب
يشهرون السيوف على بعضهم، غدوا بفضل هذا النهج، وقد شبكوا الأيدي، ووقفوا كتلةً واحدة لا
يشغلهم سوى اليقظة والتنبه إلى أعدائهم، أعداء الإسلام. وقد تمّ تشكيل مجموعات منهم لتعليم
القرآن الكريم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ففريق يجلس إلى الناس يتحدّث إليهم، وفريق يتلقّى تعاليم الإسلام وأصوله، وآخرون
يمضون مع معاهديهم من المسلمين
كان الإسلام بهذه الطريقة يحقّق انتشاراً واسعاً يوماً بعد يومً، ويحقّق المسلمون بالتالي مزيداً من
القوّة والقدرة، وقد تجلّت هذه القدرة واتّضحت تحديداً في السنة الثانية للهجرة، حيث استطاع جيش
المسلمين أن يلحق بمشركي قريش هزيمةً منكرةً، وذلك في وقعة بدر الكبرى وقد اكتسب المسلمون
بعد هذه الوقعة المزيد من المؤيدين والمعاهدين، كما ازداد بالمقابل إحساس زعماء قريش بالخطر
وقد كانوا بين فترة وأخرى يجهّزون حملة نحو المدينة، كي يظهروا عجز الرسول وجماعته، بكلّ
طريقة ممكنة. أمّا الآن، والله سبحانه نصير للمؤمنين، فلم تعد تنفع المشركين أعمالهم، وغدا الظّفر
والغلبة حليفين للمسلمين في أكثر حروبهم مع المشركين، لما يقدّمه المؤمنون من تضحيةٍ وفداء، وشيئاً فشيئاً انعدمت الجرأة لدى قريش على مواجهة جنود الإسلام.
صلح الحديبية
في السنة السادسة للهجرة قرّر النبي أن يتوجّه بصحبة نفر من أصحابه لزيارة بيت الله الحرام
في مكّة، ولما علمت قريش بالأمر أرسلت وفداً كي يطلب منه أن يؤجّل زيارته، وبعد محادثاتٍ
مطوّلةٍ توصّل الرسول صلى الله عليه وسلم وممثلو قريش إلى اتّفاق تم توقيعه وكان مما جاء فيه: تتوقف الحروب
والمنازعات بين المسلمين وقريش لمدة عشر سنوات، وللمسلمين الحقّ بالحج وزيارة مكّة والبقاء
فيها ثلاثة أيّام، وذلك اعتباراً من العام القادم.
وضع هذا الاتفاق حدّاً لاعتداءات قريش على المسلمين، وهيّأ فرصة مناسبة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
كي
يقوم بنشر الدعوة وتصدير الثورة الإسلامية إلى أقطارٍ أخرى. فأرسل برسائل إلى ملوك وحكّام
الأقطار الكبيرة آنذاك، يدعوهم فيها إلى الإسلام. ومن أولئك الملوك خسروبرويز ملك إيران، وكان
شخصاً متكبّراً يملؤه الغرور والصّلف، فلما تلقّى كتاب النبي ، كبر عليه أن يتجرّأ محمد صلى الله عليه وسلم ويكتب
إليه، قبل أن يبادره هو بالكتابة أوّلاً، وغضب غضباً شديداً فمزّق الكتاب حتى قبل أن يقرأه، وأمر
بطرد مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم من قصره، وقد أضمر في نفسه منذ ذلك اليوم
أن يقتل الرسول، لكن الله سبحانه، سرعان ما هيّأ لهذا المغرور المتعجرف جزاءه، فلم
ينقض وقت طويل، حتى لقي حتفه بيد ابنه.
وصلت رسائل النبي صلى الله عليه وسلم واحدةً بعد الأخرى إلى بلاد الرّوم ومصر
وغيرهما من البلدان، فقام بعض
حكّام تلك البلاد بالردّ على دعوة النبي ردّاً مؤدّباً لائقاً، فالنجاشي ملك الحبشةٍ، بعث
بردّه إلى
الرسول بكل احترامٍ وإعزازٍ، وأرفق ردّه بهدايا اختارها خصّيصاً، بعث بها مع ابن له إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ومع انتشار العقيدة الإسلامية في شتّى المناطق، استجاب الكثيرون لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتحقوا به أصحاباً وتابعين.
فتح مكة
بعد انقضاء عام كامل على الاتّفاق الذي أبرم بين المسلمين وقريش، أصدر النبي صلى الله عليه وسلم أوامره بأن تتوجّه قوافل المسلمين نحو مكّة.
ولم يستطع زعماء قريش أن يقفوا في وجوههم أو يمنعونهم من دخول مكّة، طبقاً للاتّفاق المعقود بين الطرفين، لكنّهم أمروا سكّان مكة بمغادرتها والصعود
إلى الجبال الواقعة حولها. ودخل الرسول مكة محرماً وملبّياً دعوة الله تعالى مع ألفين من أصحابه، وطافوا حول بيت الله، ثم اصطفّوا للصلاة والدعاء.
وكان لهذه المناسك الإسلامية الجليلة أكبر الأثر في نفوس أهل مكة، حتى أنّ بعضهم أظهر علناً تعلّقه بالرسول وشريعته، الأمر الذي أغضب زعماء
قريش وسبّب عدم ارتياحهم فأصرّوا على ألاّ يبقى المسلمون في مكة ساعةً واحدةً، زيادةً على الأيام الثلاثة المتّفق عليها. تضايق بعض المسلمين من تصرّف
قريش، لكنّ الرسول والذي كان صادقا وحازما في تنفيذ ما اتفق عليه مع معاهديه، أعطى أوامره بالتّحرك. وبإحساس غامر بالظّفر والارتياح، تحرّك
المسلمون نحو المدينة، فقد استطاعوا أن يجهروا بقول «الله أكبر». «لا إله إلا الله»، وأن يسمعوا الناس هذا النداء العظيم، بعد أن كانوا عاجزين طيلة سبع
سنوات حتّى عن زيارة بيت الله.
في السنة الثامنة للهجرة، نشب قتال بين المسلمين وجيش الروم، فخسر المسلمون المعركة واضطرّوا للتراجع. وحين علمت قريش بانكسار جيش المسلمين
سوّلت لهم أحلامهم أنّ قوّة المسلمين قد ضعفت، وأنّ القضاء عليهم أصبح سهلاً، فنقضوا لذلك عهدهم، وهاجموا قبيلةً من القبائل الموالية للمسلمين، ووقع
أفرادها في أيديهم بين قتيل وأسير، بينما استطاع البعض النجاة بالفرار، ونقلوا خبر الهجوم إلى رسول الله انزعج الرسول لنقض قريش عهدها. وتعهّد لهم
بتأديب عبدة الأصنام المارقين. عمّ القلق قريشاً لقرار الرسول وفوّضت جماعةً، بالتوسط معه على تجديد العهد السابق، لكنّ رجاءهم هذا قد رفض، وعاد
رسلهم من مسعاهم خائبين. وفي الوقت الذي رآه الرسول ملائماً لخططه، أعلن التّعبئة العامة في المدينة، وأمر بأن توضع كافّة مداخلها ومخارجها تحت
المراقبة، وأن تضبط تحرّكات الناس بشدةٍ، كي يحول دون وصول أنباء التعبئة إلى قريشٍ. وكان يدرك أنّه إن وفّق المسلمون في فتح مكّة، وإرغام العدوّ
على نزع سلاحه، فإنّ كثيراً من أعداء اليوم، يصبحون مسلمين غداً بتأثير تعاليم الإسلام السّمحة، ولتحقيق ذلك يجب إنجاز هذا العمل الكبير دون إراقة دماء.
في العاشر من شهر رمضان المبارك. من السنة لثامنة للهجرة، أصدر الرسول أوامره بالتحرّك، ووصل جند الإسلام إلى مكانٍ قريبٍ من مكة ليلاً
فأقاموا معسكرهم هناك، وأمر الرسول بنيران كثيرةٍ فأضرمت، وكان أبوسفيان وعدد من مرافقيه خارج مكة، وإذا به يفاجأ بالنيران تشعّ قرب مكّة، فأخذه
العجب والحيرة، وتسمّر في مكانه مندهشاً من كثرتها. تصادف في هذا الوقت مرور العباس عم الرسول من هذا المكان، فرأى أبا سفيان وناداه
قائلاً: أي أبا سفيان أتدهشك هذه النيران؟ إنّها لجيش محمد ، وقد أقاموا ينتظرون الصّباح ليدخلوا مكة، ولن يكون في طاقة أحدٍ صدّهم عمّا اعتزموا.
ارتجف أبوسفيان لدى سماعه أقوال العباس، وراح يرجوه أن يأخذه معه إلى الرسول، ناسياً صلفه وكبرياءه.
حجه الوداع
السنة العاشرة للهجرة، أتى أمر الله تعالى إلى رسوله بأن يذهب للحجّ هذا العام، ويعلن ذلك لسائر المسلمين. واستجابةً لدعوته تحرّك
الآلاف من كل فجٍّ، متّجهين نحو مكّة، ليؤدّوا مناسك الحجّ بصحبة رسول الله صلى الله
عليه وسلم . وكانت مناسك الحج لهذا العام قد بلغت الغاية في الجلال، ولما انتهت وعزم
الناس على التوجّه إلى مواطنهم، وقبل أن يتفرّقوا كل إلى وجهته، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بالتوقّف في مكان يدعى «غدير غم»، ثم اعتلى مكاناً عالياً هيّئ له.
وشرع يتحدث إليهم بأعلى صوته بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه بقوله: أيّها الناس، لقد دعيت وسألبّي قريباً. ونزولاً عند أمر الله سبحانه أوصيكم فاستمعوا،
أيّها الناس إني راحل من بينكم، وتارك لكم وديعتين ثمينتين، إحداهما القرآن كتاب الله، والثانية أهل بيتي، واعلموا أنّهما لن يفترقا حتى يوم الدين.
الساعات الأخيرة
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه إلى المدينة بقليل، وكانت شؤون
أمّته شغله الشّاغل، حتى وهو على فراش المرض، كان لا يدع فرصةً تمر دون أن يزوّد
الناس بموعظة، أو يقدّم لهم نصيحةً، كان عليه الصلاة والسلام يريد أن تكون تكاليف
المسلمين بعد وفاته واضحةً جليةً. أما أولئك الذين كانت تشغلهم المناصب
والمقامات الرفيعة، فكانوا يحولون دون تحقيق ذلك، أجل فإنّ رسولنا الكريم قد عانى
الكثير من قسوة أصحاب الغايات وعبيد المناصب، حتى في آخر لحظات
حياته الكريمة. وفي حين كان علي وفاطمة وغيرهم من التابعين الأوفياء، يجلسون
قرب وسادة الرسول الكريم، يذرفون الدموع حزناً عليه.
مضت أيّام، والمدينة يلفّها القلق، ويعمّها الحزن والأسى. كان العديد من أهلها
يتجمعون حول بيت النبي يذرفون الدّموع، ويدعون الله ليلاً ونهارا،
يرجون لرسول الله صلى الله عليه وسلم السلامة. كان كلّ شيءٍ يشير إلى أنّ حادثاً
جللاً سيقع. وأخيراً، ففي يوم الإثنين الثامن والعشرين من صفر، أسلم النبي صلى الله عليه وسلم الروح إلى خالق
الروح،
رحل عليه الصلاة والسلام، وما زلنا بعد قرون من رحيله نسمع ترداد ندائه إذ
يقول: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ابدا . كتاب الله
وسنتى». صدق رسول الله.
يا رب امنحنا القدرة والتوفيق، حتى نعمل بوصية رسولك الكريم