وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خاصةالشيخ / محمد حمود النجدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه أجمعينأمابعد :-
فقد آلم المسلمين والمسلمات جميعا ما سمعوا من سب مقذع لأم المؤمنين نوالصديقة الطاهرة المبرأة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها ، من شخص نكرة ، لا قيمةله ولا وزن .
وهذه مقالة في بيان حكم السب أو الطعن في الصديقة عائشة رضي الله عنها، وعن باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .فنقول : إن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أولا : داخلات في عموم الصحابةرضي الله عنهم ، لأنهن منهم ، وقد رأين النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ، واتبعنهعلى الإيمان ، وعملن من الصالحات ، وبعضهن ممن هاجرن معه ، وجاهدن معه ، وحضرنالغزوات ، حججن واعتمرن معه ، وأنفقن في سبيل الله في حياته وبعد مماته ، ثم قمنبما أمرهن الله في قوله ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن اللهكان لطيفا خبيرا ) الأحزاب : 34 . أي : يعلم خبايا الأمور ، وخفايا الصدور .فكن رضي الله عنهن خير معلمات للأمة ، ومبلغات لدينه وسنة رسوله صلى اللهعليه وسلم ، خصوصا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، فهي ممن روى عن النبي صلىالله عليه وسلم فوق الألف من الأحاديث النبوية ، وكانت تستدرك على الصحابة كثيرامن المسائل العلمية والفقهية ، وغير ذلك من أعمال البر والفضل والإحسان مما تميزنبه .
وكل ما جاء في تعظيم حق الصحابة ، وتحريم سبهم ، والتنقص لشأنهم ، منآيات قرآنية ، وأحاديث نبوية ، فإن ذلك يشملهن وزيادة ، لما لهن من المنزلة العظيمةفي الدين ، وقوة القرابة من سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم ، فهن زوجاتهوحلائله وأهله وحريمه ، والتعرض لهن تعرض لشخص النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ،وهذا لا يخفى على العميان ؟؟!وقد بين أهل العلم حكم سابهن والمتعرض لهن بالسوء ، وما يستحق من عقوبةأو ذنب ، وبينوا ذلك أوضح بيان في أقوالهم المأثورة ومؤلفاتهم المختلفة .فأولاً : أهل العلم من أهل السنة والجماعة أجمعوا قاطبة ، على أن من طعنفي عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه في كتابه ، وبما رماها به المنافقون منالإفك والبهتان والفاحشة ، فإنه كافر بالله العظيم ، لأنه مكذب بما ذكره الله فيكتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها ، والمكذب لله تعالى كافر بلا شك ولا ريب ،وقالوا : إنه يجب قتله لذلك .وعلى هذا كلام أهل العلم :1-فقد ساق أبو محمد بن حزم رحمه الله في كتابه المحلى بإسناده : إلىهشام ابن عمار قال : سمعت مالك بن أنس يقول : من سب أبا بكر وعمر جلد ، ومن سبعائشة قتل ، قيل له : لم يقتل في عائشة ؟ قال : لأن الله تعالى يقول في عائشة رضيالله عنها {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين }، قال مالك : فمنرماها فقد خالف القرآن ، ومن خالف القرآن ُقتل .قال أبو محمد رحمه الله : قولمالك ههنا صحيح ، وهي ردة تامة ، وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها . المحلى (13/504) .
2-وحكى أبو الحسن الصقلي أن القاضي أبا بكر الطيب قال : إن الله تعالىإذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه ، كقوله {وقالوا اتخذ اللهولدا سبحانه }، و ذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال {ولولا إذ سمعتموهقلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك } ، سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبحنفسه في تبرئته من السوء ، وهذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة ، ومعنى هذا - والله أعلم - أن الله لما عظّم سبها كما عظم سبه ، وكان سبها سباً لنبيه ، وقرن سبنبيه وأذاه بأذاه تعالى ، وكان حكم مؤذيه تعالى القتل ، كان مؤذي نبيه كذلك . الشفاء للقاضي عياض (2/267-268) .
3-وقال أبو بكر بن العربي : إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشةفبرأها الله ، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله ، ومن كذب الله فهوكافر ، فهذا طريق قول مالك ، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر ولو أن رجلاً سب عائشةبغير ما برأها الله منه لكان جزاؤه الأدب .أحكام القرآن لابن العربي (3/1356) .
4-وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الصارم المسلول على شاتمالرسول " بعض الوقائع التي قتل فيها من رماها رضي الله عنها بما برأها الله منه ،حيث يقول : وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري : سمعت القاسم بن محمد يقول لإسماعيلبن إسحاق أتى المأمون بالرقة برجلين شتم أحدهما فاطمة والآخر عائشة ، فأمر بقتلالذي شتم فاطمة وترك الآخر ، فقال إسماعيل : ما حكمهما إلا أن يقتلا لأن الذي شتمعائشة رد القرآن .قال شيخ الإسلام : وعلى هذا مضت سيرة أهل الفقه والعلم من أهلالبيت وغيرهم .
5-وقال أبو السائب القاضي : كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد وهو ابنالحسن بن أبي طالب المدني بطبرستان ، وكان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح منالفاحشة ، فقال : يا غلام اضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل من شيعتنا ، فقال : معاذ الله ؟؟! إن هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئكمبرءون مما يقولون لهم مغفرة و رزق كريم } ، فإن كانت عائشة خبيثة ، فالنبي صلىالله عليه وسلم خبيث ، فهو كافر فاضربوا عنقه ، فضربوا عنقه وأنا حاضر . 6-وروي عن محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد أنه قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة رضيالله عنها بسوء ، فقام إليه بعمود فضرب دماغه فقتله ، فقيل له : هذا من شيعتنا ؟! ومن بني الآباء ؟ فقال : هذا سمى جدي قرنان – أي من لا غيرة له - ومن سمّى جديقرنان ، استحق القتل فقتلته .
7-وقال القاضي أبو يعلى : من قذف عائشة بما برأهاالله منه كفر بلا خلاف ، وقد حكي الإجماع على هذا غير واحد ، وصرح غير واحد منالأئمة بهذا الحكم .
8-وقال أبي موسى – و هو عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن جعفر الشريفالهاشمي إمام الحنابلة ببغداد في عصره - : ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأهاالله منه ، فقد مرق من الدين ، ولم ينعقد له نكاح على مسلمة . انظر الصارم المسلول(ص 566- 568) .9-وقال الإمام النووي في تعداده الفوائد التي اشتمل عليها حديث الإفك : الحادية والأربعون : براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك ، وهي براءة قطعية بنصالقرآن العزيز ، فلو تشكك فيها إنسان - والعياذ بالله - صار كافراً مرتداً بإجماعالمسلمين ، قال ابن عباس وغيره : لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله و سلامهعليهم أجمعين ، وهذا إكرام من الله تعالى لهم . شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 117- 118 ) .10-وقال ابن قدامة المقدسي : ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلىالله عليه و سلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء ، أفضلهم خديجة بنخويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه ، زوج النبي صلى اللهعليه وسلم في الدنيا و الآخرة ، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم . لمعة الاعتقاد (ص 29) .11-وقال بدر الدين الزركشي : من قذفها فقد كفر لتصريح القرآن الكريمببراءتها . الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة (ص 45) .12- وقد حكى العلامة ابن القيم اتفاق الأمة على كفر قاذف عائشة رضي اللهعنها ، حيث قال : واتفقت الأمة علىكفر قاذفها . زاد المعاد (1/106).13-وقالالحافظ ابن كثير عند قوله تعالى { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوافي الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم } ، قال : أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة علىأن من سبها بعد هذا ، ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية ، فإنهكافر ، لأنه معاند للقرآن .
وفي بقية أمهات المؤمنين قولان : أصحهما أنهن كهي ،والله أعلم .
حسن التحرير في تهذيب تفسير ابن كثير (3/244) .
14-وقال السيوطي عند آيات سورة النور من قوله تعالى { إن الذين جاءوابالإفك عصبة منكم . } الآيات ، قال : نزلت في براءة عائشة فيما قذفت به ، فاستدل بهالفقهاء على أن قاذفها يقتل ، لتكذيبه لنص القرآن ، قال العلماء : قذف عائشة كفر ،لأن الله سبّح نفسه عند ذكره ، فقال ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) كما سبح نفسه عندذكر ما وصفه به المشركون ، من الزوجة والولد .الإكليل في استنباط التنزيل ( ص 190) .
فما سبق من الأقوال المتقدمة عن الأئمة والعلماء وأهل التفسير والحديث ،فيها بيان واضح ، ودليل ظاهر ، أن الأمة مجمعة على أن من سب أم المؤمنين عائشة رضيالله عنها وقذفها بما رماها به أهل الإفك ، فإنه كافر بالله ، لأنه مكذب له تباركوتعالى فيما أخبر به من براءتها وطهارتها رضي الله عنها ، وأن عقوبته أن يقتلمرتداً عن ملة الإسلام .ولا يحل لمسلم أن يقع في مثل ذلك أو ما يقاربه منالتنقص أو الازدراء لهن بالقول أو الفعل .
فنسأل الله تعالى أن ينتقم ممن تعرضلنبيه صلى الله عليه وسلم بسوء ولأزواجه بشر ، ولعباده المؤمنين بأذى ، وهو القادرعلى ما يشاء وهو بكل شيء محيط ، وأن يحفظنا جميعا بحفظه ، ويطهر بلادنا من الفتنوالبلايا والرزايا والمحن .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،،